عاشق المستحيل عضو ذهبى
عدد الرسائل : 171 تاريخ التسجيل : 24/01/2009
| موضوع: حلم لطفل غزة الجمعة يناير 30, 2009 7:08 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
المكان مزدحم ، هرج ومرج ، وأصوات متداخلة ، جموع تذهب وأخرى تجيء ، وأنا بينهم أحاول أن أجد لي موطئا ، صراخ وأنين ، نداء يتلوه نداء .. أين أنا ؟؟ وماذا يحدث !! صوت بجانبي يقول : لقد سقط .. الصاروخ .. سقط هناك على المدرسة الابتدائية !! وصوت آخر يقول: النيران تشتعل .. أين الاطفائي !! النيران ... عرفت أنني في غزة .. كيف جئت ومتى ؟؟ لا أدري !! كل ما أعرفه أنني هنا !! سمعت من يصرخ : جريج جريح !! النجدة !! وفجأة وجدت نفسي معهم .. أحمل أشلاء كانت إنسانا منذ لحظة !! نحمله بلا هدى .. ندور وندور .. نبحث عن مشفى أو إسعاف !! ومن وسط الجموع لاح لي مبنى كبير ، هو الوحيد الذي بقي قائما ، وما حوله تحول إلى ركام ،كان هو الأمل الوحيد .. حاولت شق طريقي إليه بصعوبة الجموع المتدفقة تخنقني !!لم أعد أرى شيئا .. سوى أقدام ضخمة وسيقان طويلة !! إنها تدوسني !! تقتلني !! إنها لا تعبأ بي !! ولا تعبأ بالأشلاء التي أحملها بإصرار بين يدي !!بل إنها لا تراني !! المسعفون الذين كانوا معي اختفوا ، والمبنى الضخم اختفى !! وبقيت وحدي هائما أصرخ وأصرخ وأضم الجسد الطاهر إلى صدري !! - 2 - يد حانية وضعت على كتفي ، قامة مديدة أحس بها بجانبي .. شعور غريب بالأمان كسا روحي .. أمسك بيدي وأخذني إلى بناء قديم مهترئ .. المكان مظلم من الداخل ، الحطام منتشر في المكان ، أجسام متراصة انبثقت من رحم الظلام ، رؤوس متلاصقة تهمهم وأيد تشير بحماس !! جلست في طرف خفي أراقب . ومرة أخرى وجدت نفسي وسطهم أشاركهم النقاش بحماس ، لقد كنا نخطط لعملية استشهادية !! شعور لايمكنني وصفه .. شعور لم أحس به من قبل في حياتي .. شعور بالجدوى .. بالقوة .. بالثقة .. بالإيمان .. راحة عجيبة .. وسعادة تتغلل في الأعماق ... كان هناك في الخارج صف طويل من الدبابات ومن المدرعات ، صُفت بزهوٍ و تكبر !! خرج وحده !! لم أر وجهه قط !! إنما خرج يسير بثبات وقامة مرفوعة متجها للآليات العسكرية .. لم يلتفت قط !! لم يتردد قط .. سار في طريق ترابي ممهد .. بخطوات ثابتة .. والنور يحيط به .. وما إن وصل إليها حتى سمعنا صوت انفجار مدوي .. لقد اختفى واختفت معه الآليات العسكرية .. كنت أراها تنفجر وتطير في الهواء كلعب بلاستيكية !! خط طويل من الآليات على مد البصر كان يتفجر !! الله أكبر !! ارتفعت الحناجر بالتكبير !! فرحة !! بهجة !! انتصار !! - 3 - وإذا بي فجأة في ساحة العدو !! كان غاضبا .. مصدوما .. قد هشم كبرياؤه الزائف .. ومرغ أنفه في التراب !! وكان الجنرال يصرخ بغضب : كيف حدث هذا !! كيف حدث هذا !! وأمام خندق عظيم .. طويل جدا .. لا يدرك مداه .. وقف يصرخ بغضب محدثا أحد قادته : أنظر ... لقد دفنوا المتفجرات في الأرض .. لقد كانت الأرض التي نعيش عليها مليئة بالألغام !! وهي الأرض التي اعتقدنا أننا ملكناها للأبد !! وطردناهم منها للأبد !! كيف حدث هذا !! كيف وصلوا إلى هنا !! وفي ثورة غضبه إذا بصرخات تكبير ترتفع من جيشه !!! بهت الجنرال !! وضاقت به الأرض الفضاء !! تكبير من جيشي أنا !! والتفت إلى القائد مخاطبا له بغضب : شاليط !! إن بيننا خونة !! أتسمع ما أسمعه !! إن بيننا خونة !! ونظر إلى الجيش ثانية وصرخ بغضب : أخرج أيها الإرهابي !! ألديك الجرأة لتعيد ما قلته ثانية !! أخرج !! أرني وجهك أيها الجبان !! وفي تحدٍ ارتفعت صرخات التكبير (الله أكبر .. الله أكبر ) ارتفعت من كل مكان !! ارتفعت مجلجلة بأصوات واثقة مؤمنة !! إنهم هنا .. لقد وصلوا إليه !! إنهم هنا .. لكنه لا يراهم .. أين هم ؟؟!! إنهم هنا .. في كل مكان .. تحت كل حجر .. وراء كل شجر !! إنهم هنا ... وتحولت شجاعة الجنرال إلى فزع وأخذ يصرخ : شاليط .. شاليط .. إنهم هنا .. شاليط الغوث .. الغوث .. شاليط .. أين الطائرات !!أين الطائرات !! - 4 - - الطائرات .. الطائرات .. إنهم قادمون !! كنت أصرخ وأنا أركض للبيت المتهدم -الذي تحول إلى بيت من صفيح -لأحذر الرفاق .. أخذني أحدهم بهدوء إلى الداخل .. حركة حذرة عمت المكان .. وأوامر وتوجيهات .. أنت تعال هنا .. وأنتم تخندقوا هناك .. ورغم خطورة الموقف وصعوبته ، إلا أن السكينة تعلو الوجوه .. فلا خوف .. ولا فزع .. سمعت أزيز الطائرات فوق رؤوسنا .. كان صوتا مرعبا .. عنيفا .. شعرت بخوف رهيب يقفز من معدتي ، وبدأت أطرافي ترتعش .. أخفاني أحدهم بين ذراعيه بحنو .. ودفنت رأسي في صدره .. مغمضا عيني بشدة !! أصوات الانفجارات تصم الآذان الصمت الرهيب يملأ المكان .. الانتظار المؤلم يقتلنا !! نموت قبل الموت ألف مرة !! ترى من يختار الصاروخ اليوم !! أيختارني أنا !! أم يختار أحد أحبتي الذين يجلسون حولي!! أأسبقهم أم يسبقونني !! لحظات صعبة .. بدا لي أنها لن تنتهي أبدا !! وكما ظهرت فجأة اختفت فجأة !! هدأ الصوت .. وعاد الهدوء للمكان .. طمأننا أحدهم : لقد كانت الضربة بعيدة .. لم تحدث الضربة أضرارا .. وبصمت حازم عاد الجميع للعمل - 5 - وفي ركن بعيد كان رجل يعمل بهمة ونشاط .. وابتسامة جذلى تعلو شفتيه .. تحلقت حوله جماعة تتابعه ببصرها باهتمام .. انضممت إليهم .. كان بجانبه أوان ٍ تحوي كل واحدة منها خليطا لا أعرف كنهه .. وكان يأخذ من كل إناء قبضة من ذلكم الخليط، ويكورها بيديه حتى تتماسك .. ثم يضعها جانبا سألته بفضول : ماذا تفعل ؟؟ أجاب باسما : قنابل .. قلت متعجبا : قنابل !! أتقول أنك تصنع قنابل !! رد : نعم .. قنابل .. لم أنت متعجب !! سألته : وكيف تصنع هذه القنابل ؟؟ ومم تصنعها ؟؟ أجاب بابتسامة عريضة : إنني أصنع قنابلي من الفاكهة !! قلت غير مصدق : من الفاكهة ؟؟ !! أتهزأ بي يا رجل ؟؟ وهل تُصنع من الفاكهة قنابل !!! أخذ قطعة من تلكم القنبلة المكورة وأكلها ، ثم أعطاني قطعة وقال : تذوقها . تذوقت القطعة بحذر ، وجدتها لذيذة الطعم !! حلوة المذاق !! نعم .. إنها من الفاكهة .. ياللعجب !! رفعت رأسي فإذا بالرجل يتأملني ثم قال : " اسمع بني .. تستطيع أن تصنع من أي شيء قنبلة تنكأ بها عدوك وتنصر بها أمتك .. فقط إذا توفرت الإرادة !! وبينما نحن نتحدث ظهرت فوق رؤوسنا طائرة حربية ضخمة .. قلت بغضب : الجبناء ... لم يستطيعوا مواجهتنا في الأرض .. فعادوا من السماء !! أما الرجل فما زاد على أن ابتسم ، ثم أخذ مقلاعا صنع من قماش أبيض وقال لي بابتسامته المعهودة : أنظر ماذا سأفعل .. وضع إحدى قنابله في المقلاع .. ثم رمى بها بقوة نحو الطائرة .. وأمام ناظري تحولت الطائرة إلى أشلاء ممزقة محترقة .. راسمة في السماء صورة جميلة مدادها اللهيب والدخان !! صورة أجمل من لوحات بيكاسو !! وأغلى من رسوم ديفنشي!! ورحت أضحك بجذل .. وأضرب كفي الصغير بكف الرجل المبتسم .. وأرسم بيدينا معا علامة النصر !!
النصر !! كثيرا ما سمعت بهذه الكلمة !! ولكنني اليوم عرفت معناها الحقيقي !! النصر !! الذي بحثت عنه سنينا !! و انتظرته طويلا!! النصر !! أراه اليوم .. أحسه .. أمسكه بيدي .. وأتذوق طعمه .. النصر !! الذي لّون كل شيء بلونه الجميل .. وأعطى للحياة معنى !! لأول مرة أحس بطعم الحياة !! ولأول مرة أشعر بأنني إنسان !! ولأول مرة ابتسم بصدق !! ابتسم بشفافية !! ابتسم بسعادة !! - 6 - يد سوداء تمتد .. تمسك بي من تلابيبي وترفعني عاليا .. وصوت يصرخ في وجهي : أين هم ؟؟ أنطق !! تكلم !! آه .. إنه الجنرال البغيض !! كيف أتى إلى هنا !! كان مدججا بالسلاح كعادته .. وحوله جنوده متأهبون .. مثقلون بألوان من الدروع والأسلحة .. قابلت وجهه القبيح بابتسامة .... وسكينة وهدوء أشعلت شياطين كبريائه هزني بعنف : أنطق .. أين ذهب الإرهابيون !! أين الصواريخ المضادة للطائرات !! ومن أين جاؤوا بها !! ابتسمت بتهكم : صواريخ مضادة للطائرات !! ماذا إن قلت له أنها قنابل حلوة !! قنابل فاكهة !! سيجن بالتأكيد !! قلت له بشجاعة لم أعهدها : ماذا أيها الجنرال أتتنمر على طفل صغير في التاسعة من عمره !! رفعني أكثر ... وأكثر .. .. كأنما أحلق في السماء .. وصرخ بصوت مفزع : قلت لك تكلم !! تكلم وإلا قتلتك !! وأمام ثورة غضبه الرهيبة كانت ابتسامتي تتسع شيئا فشيئا .. ماذا يظن هذا الأحمق !! أيظن أنني سأخبره !! أيعتقد أنه يخيفني بصراخه !!أو سيرهبني بسلاحه !! فليقتلني إن شاء !! فأنا لم أعد ذلكم الطفل الصغير الخائف !! صراخه يرتفع .. وابتسامتي تتسع .. يده تضغط على عنقي بقوة .... وتضغط .. وتضغط .. وأنا مازلت أبتسم !! وأبتسم !! وفجأة .. قذف بي بقوة وأحسست بأني أسقط .. وأهوي .. إلى مكان سحيق !! - 7 - شعر حسام بجسده مهدودا .. مكسرا .. تأوه بألم .. فتح عينيه بصعوبة .. وجد نفسه في غرفته أسفل سريره .. وبطانيته ملتفة حول عنقه !! والتلفاز أمامه ينقل له صورة غزة !! وينعى مزيدا من الشهداء !! أكان ما رآه حلما !! أكل ما جرى كان مجرد أضغاث !! أعاد إلى الواقع الأليم !! لا .. وكيف يعيش في هذا العالم الهش البائس بعد أن ذاق طعم السعادة .. وذاق معنى الحياة !! أخذ يضرب وسادته بقبضته و يصرخ بألم : لا .. لا أريد أن أستيقظ .. لا أريد أن أستيقظ !! استيقظت أمه على صراخه وهبت إليه مفزوعة : حسام .. حسام .. بني ما بك ؟؟ قال لها والدموع في عينيه : لا .. أمي .. لا أريد أن أستيقظ !! أريد أن أعود إلى غزة !! أريد أن أعود إلى غزة !! لا أريد أن استيقظ !! كفكفت والدته دموعه وقالت وهي تهدهده : نم يا صغيري واحلم ... فما نملك سوى الأحلام !! نم يا صغيري واحلم ... لعل في الأحلام سلوى أو عزاء !! نم يا صغيري وأحلم ... فلعلك تستيقظ يوما لتحول الحلم إلى حقيقة | |
|
شـوشه عضو ذهبى
عدد الرسائل : 44 تاريخ التسجيل : 30/01/2009
| موضوع: رد: حلم لطفل غزة السبت يناير 31, 2009 12:53 pm | |
| | |
|